شهدت الساحة الدولية مؤخراً تغيرات كثيرة، وجميعها توحي بولادة عالم متعدد الأقطاب، وهو من الأمور التي باتت لا تحتاج الكثير من النقاش، فمعظم خبراء العلاقات الدولية تحولوا في نقاشاتهم إلى مرحلة أكثر تقدماً، ألا وهي كيف سيكون شكل هذا العالم الجديد.. وهل وجود تعدد قطبي يضمن حالة من السلم الدولي.. أم أنه سيؤدي إلى مرحلة دائمة من الاضطرابات؟!.
لن أسهب كثيراً في هذا الموضوع؛ لأنه يتعلق بالعديد من العوامل التي قد تؤثّر بشكل أو بآخر على التوازنات الدولية القائمة، وعلى اعتبار أننا اليوم في المدونة نعمل معاً من أجل سوريا، فإنّ أكثر ما يهمنا هو الحوار "السوري- السوري"، ولذلك سأتجه مباشرة إلى سوريا، وتحديداً حول ما حدث مؤخراً في الأشهر الأخيرة من انفتاح عربي، ومحاولات لإجراء محادثات سورية تركية، وصولاً إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، فعلى مدار السنوات الماضية كانت لهجة معظم الدول تجاه سوريا مختلفة، وكان الأمر يوحي بوجود نوع من عدم رغبة الدول في التواصل مع سوريا..
إذا أردنا تقييم الأمر على المستوى السياسي يمكن القول إن الشروط الإقليمية كانت مختلفة بشكل أو بآخر، والشروط العالمية الدولية كذلك لم تكن ناضجة بما فيه الكفاية، ولكن هذه الشروط بدأت تنضج يوماً بعد يوم، وقد كان الاتفاق السعودي الإيراني مؤخراً برعاية صينية في بكين قد ساهم في تمهيد الطريق لتغيير الواقع الإقليميي المحيط بسوريا إلى حد ما، ولذلك لم يزل البعض يراهن على أنّ التقدم في الحوار السياسي الخارجي قد يحمل جملة من الحلول تبدأ بالسياسة وتنتهي بالاقتصاد.
على الرغم من أن ما سبق يوحي ببريق أمل لمختلف الدول ومنها سوريا، إلا أن هذا الأمل لا يشفي، لأنه بريق من الخارج فبريقنا الداخلي لم يأت بعد، وإن لم يأت فإنّ الآفاق المستقبلية لا توحي بمزيد من الأمان الوطني، فغالباً ما يُطالب الإنسان السوري بأن يكون وطنياً، ودائماً يوجد من هو قادر على التشكيك في وطنيته، لكن لم يوجد من يُعرّف الوطن لنا نحن السوريين..
هل الوطن عبارة فترات سلام بين حروب متتالية بعضها داخلي والآخر خارجي، أم هو عبارة عن ملجأ ومكان آمن نستطيع الحصول فيه على أماننا المستقبلي، وهل نستطيع هذه المرة أن نطلب من الوطن أن يكون وطنياً، بحيث نستطيع اللجوء إليه في المحن.
لعله يحق لنا هذه المرة بعد اثني عشر عاماً من وجع لم ينته بعد أن نطلب الأمان من الوطن، وقد لا يكون هذا الأمان موجوداً إن لم يوجد وطن حقيقي قادر على احتواء أبنائه، بمختلف آرائهم وتوجهاتهم، فوطن التوجه الواحد لا يدوم طويللاً؛ لأنه وطن غير متوازن، لا يلبث أن يحتاج مساندة الخارج بدلاً من استيعاب مكونات الداخل، وهو ما يحدث اليوم.