واقع الحال يؤكد، بأن إسرائيل تسعى إلى تهويد الجولان، والأمر ليس بجديد، فقد خرج الجولانيين ومنذ العام 2020، في احتجاجات واسعة على مشروع التوربينات، خاصة أن أهالي الجولان يرون فيه مخططاً استعمارياً تهويدياً، يطال الجولان بأكمله، لكن الخطوة الإسرائيلية الأولى تقتضي الإستيلاء على الأراضي الزراعية، ضمن مساحة تتعدى 6 آلاف دونم، ليكون واضحاً لدى الجولانيين بأن هذه المساحة المُراد إغتصابها، إنما تهدف إلى تغير وجه الجولان، وتحويله إلى مستوطنة، وهذا الأمر يُعد انتهاكاً للاتفاقيات الخاصة بحماية الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وانتهاكاً لقرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 لعام 1981، الذي يؤكد أن جميع الإجراءات الإسرائيلية في الجولان المحتل لاغية وباطلة.
"الإضراب حتى النصر"..
الجولان المُحتل منذ العام 1967 نكسة حزيران، حيث أُطلق على تلك الحرب، حرب الأيام الستة.
تم تلاها في العام 1981 قرار الحكومة الإسرائيلية بضم هضبة الجولان السوري المحتل الى أراضيها.
في أوائل شهر شباط من العام 1982، عُقد اجتماع شعبي في خلوة مجدل شمس، أُعلن فيه أنه اعتباراً من تاريخ 14 شباط 1982 فإن أهالي الجولان في حالة إضراب عام وشامل حتى تتحقق مطالبهم المتجسدة في «رفض تطبيق القانون المدني الإسرائيلي، ورفض فرض الجنسية الإسرائيلية، واعتبار الجولان منطقة محتلة تنطبق عليها قوانين جنيف، ورفض استبدال الهويات العسكرية بأخرى مدنية، والإفراج عن المعتقلين الإداريين.
وفي 30 آذار 1982، أصدرت القيادة العسكرية لجيش الاحتلال قراراً بالاستعداد التام للبدء في توزيع الهوية الإسرائيلية، موكلة تنفيذ المهمة لـ 16 ألف جندي إسرائيلي، ليقتحموا في الأوّل من نيسان القرى المحتلة، ويستولوا على مباني المدارس، ويحوّلوها إلى مراكز للتحقيق والاعتقال.
في المقابل، أعلن أهالي الجولان «إضراب الهوية والانتماء»، متحدِّين قوات الاحتلال، عبر صدورهم المفتوحة والأيادي والعصي، واشتبكوا مع مئات الجنود في الساحات العامة، وأصوات الأهالي تصدح بـ«الإضراب حتى النصر».
وهو ما كان، إذ تعهّدت السلطة المحتلة عدم فرض الجنسية وعدم فرض التجنيد الإجباري، وإقامة الجسور المفتوحة بين الجولان وسوريا، وعدم مصادرة أراضي السكان، وإعطاءهم حقوقهم المائية لري مزروعاتهم.
سعي إسرائيلي لتهويد الجولان..
من الواضح أن إسرائيل تسعى جاهدة إلى تهويد الجولان، وفك ارتباط الجولانيين بـ سوريا، لطمس معالم الجولان هويةً وأرضاً وتاريخاً، وذلك تمهيداً للإستيلاء على الجولان وجغرافيته بشكل كامل، وهنا لابد من التنويه إلى الأحداث التي شهدتها سوريا خلال سنوات الحرب، وتمرير مصطلح "سوريا المفيدة"، وتواجد الجيوش الأجنبية على أرضها، وأيضاً اقتراحات "الادارات الذاتية"، والمشاريع الكثيرة التي تُسَوّق في الزواريب الدولية، وبالتالي حديث "التقسيم" فَتَح شهية إسرائيل لركوب موجة أن سوريا ستُقسم، أو مُنشغلة بمشاكلها، وبالتالي ترى إسرائيل ومن خلال توقيت مشروع التوربينات، أن الفرصة مواتية ولا تُفوت في محاولة الإستيلاء على الجولان كاملاً، وطمس هويته الوطنية السورية.
وربطاً بما سبق، فإن إسرائيل تسارع إلى فرض مشروع التوربينات وإلى عملية الأسرلة في الجولان، ومحاولة إقناع الجيل الجديد من شباب الجولان، بأن سوريا الأم انتهت وعليهم الرضوخ والقبول بالجنسية الإسرائيلية، وهذا الأمر وفق المنظور الإسرائيلي، سيساعد إسرائيل في بلورة رأي عام عالمي، للإعتراف أممياً بضم الجولان.
رفض قاطع للمشروع
بدأت فكرة المشروع المكون من 32 توربينة ( مروحة ) رياح، بارتفاع 220 مترًا للواحدة، في كانون الثاني 2020، عندما أقرت اللجنة الوطنية للتخطيط والبنى التحتية الإسرائيلية المشروع، وبات له صفة قرار حكومي.
وفي الشهر ذاته قامت شرطة الاحتلال بحماية الأعمال التي بدأت الشركة تنفيذها، ومنعت كثيرين من الوصول إلى أراضيهم على مدار ثلاثة أيام متواصلة، واعتدت على عشرات المزارعين، مستخدمة القوة المفرطة، ما تسبب يومها في تعريض حياة السكان للخطر، وإصابة عشرات الأشخاص جراء استخدام الرصاص المطاطي والحي وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع.
من جهتها كانت 17 منظمة حقوقية، قد حذرت عبر بيانٍ لها، في نيسان 2022، من خطر المشروع، رغم مئات الاعتراضات التي تقدمت بها مؤسسات زراعية وأفراد من الجولان، لافتة في بيانها أن المشروع سيتسبب حال إقامته بآثار خطيرة ومدمرة على سوريي الجولان، وسيفضي إلى تدمير جزء مهم من الاقتصاد الزراعي التقليدي المتمثل بزراعة الأشجار المثمرة، خاصة التفاح والكرز، بالإضافة لأضراره على صحة السكان التي ستنجم عن التعرض للضجيج وللموجات تحت الصوتية والوميض، الأمر الذي سيتسبب باضطرابات سمعية.
كما ستؤدي إقامة المشروع إلى تقييد التوسع العمراني لثلاث قرى سورية محتلة من أصل خمس قرى تبقت في الجولان بعد الاحتلال عام 1967، هي مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا، وهذا سيفاقم أزمة السكن الخانقة التي يواجهها سكان هذه القرى السورية، بالإضافة إلى تشوه المشهد الطبيعي للجولان المحتل، وتعريض الحياة البرية للخطر.
من مصادرة للأراضي وهويتها العربية السورية.. الى الأسرلة
استطاعت سلطات الاحتلال إقناع البعض من أهالي المنطقة في الجولان بتوقيع اتفاقيات معهم لتأجير بعض المساحات داخل أراضيهم لإقامة التوربينات مدة 25 عاماً على أساس أنها طاقة خضراء ونظيفة وستوفر الكهرباء لنحو 50 ألف أسرة، فيما تتضمن العقود غرامات جزائية كبيرة في حال تراجع أصحاب الأراضي.
وتراجع العديد من السكان الموقعين على اتفاقية المشروع مع الشركة بسبب مخاوفهم بأن المراوح مضرة جدًا لصحة الإنسان وقاتلة للطيور والنحل والحشرات التي تعمل على تلقيح شجر التفاح والكرز المزروع في الجولان، وأيضًا من مصادرة أراضيهم مستقبلًا.
تسعى "إسرائيل" إلى تهويد الجولانيين وأرضهم وذلك من أجل إقناع دول العالم بالاعتراف بضم الجولان كما فعلت أمريكا في عهد ترامب 2019، لذلك سعت "إسرائيل" بكل قوتها لاستمالة الجيل الجديد وإقناعه بأخذ الجنسية الإسرائيلية بحجة أن سوريا ستتقسم وانتهت كوطن، خصوصًا بعد سماع مصطلحات التقسيم وسوريا المفيدة وغيرها، وفي حال تحول هؤلاء الشباب لإسرائيليين فهذا يعني أسرلة الجولان وتقوية موقف "إسرائيل" لمطالبتها دول العالم بالاعتراف بضم الجولان إليها.
كما أنه لا يمكن عزل مشروع المراوح خارج سياق الأسرلة ومحاولات تغيير المناخ الاجتماعي والوطني للأهالي في الجولان، بدءاً بالتهديد الديموغرافي ومصادرة آلاف الدونمات لصالح هذا المشروع التهجيري، وصولًا إلى قتل الزراعة والمحاصيل الزراعية التي تشكل ركنًا أساسيًا في رزق ومعيشة الجولانيين عامةً، والتهديد الحيواني والتنوع البيئي الذي يميز المنطقة.
يبدو أن سلطات الاحتلال ماضية في مشروعها القومي، متجاهلة كل التوقعات ببدء احتجاجات أشد عنفًا، لا سيما أن قضية التوربينات ليست الوحيدة التي تثير استياء أهالي الجولان المحتل، فمن قانون التجنيد الإلزامي للدروز، واقتصار التجنيد تطوعًا على بقية الطوائف، إلى سياسة التمييز خاصة فيما يتعلق بالتخطيط والبناء في التجمعات السكنية، في خمس قرى لم يطلها التهجير، وهي:
مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا وعين قنية والغجر، ولم يتبق منها إلا 47.000 دونم للأهالي.
أخيراً..
في ظلّ استمرار إسرائيل لتهويد الجولان، مُستَغلِة انشغال العالم في مشاكل كثيرة ليس آخرها الحرب الروسية في أوكرانيا والتي أرخت في ظِلالها على كل العالم سياسياً واقتصادياً، والأزمة التي لا تزال دائرة في سوريا..
يبدو أن أهل الجولان صامدون في أرضهم، يُقَدمون للعالم أجمع أبهى صور المقاومة وتحدي الاحتلال.
17\ 8\ 2023